بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

مسَائِل الْفُصُول 3

 لي تَحْصِيل هَذَا الْكَلَام إِن عدم النفث بعد الْمَرَض دَلِيل على عدم التقييح الْبَتَّةَ وبمقدار تَأَخره يكون طول زمَان النضج وَلَيْسَ وجود النفث دَلِيلا على وجود عِلّة لكنه إِن كَانَ نضيجاً مَحْمُودًا خَالِيا من الكيفيات الرَّديئَة حَتَّى يسْتَحق أَن يُسمى بزاقاً وَحدث بعد الْعلَّة سَرِيعا دلّ على قصر الْعلَّة وَإِن كَانَ بِخِلَاف هَذِه الصِّفَات فإمَّا أَن يدل على أَن الْمَرَض يطول فَقَط وَذَلِكَ إِذا لم يكن فِي النفث إِلَّا عدم النضج فَقَط وَهُوَ أَن تكون الكيفيات الْمُخَالفَة للبزاق مِنْهُ قَليلَة على مَا سنقول بعد وَمرَّة يدل على الْمَوْت وَذَلِكَ إِذا كَانَ النفث مَعَ عَدمه للنضج رديئاً خبيثاً وَذَلِكَ إِذا كَانَت هَذِه الكيفيات صرفة مَحْضَة أَو غالبة على البزاق وَمن هَهُنَا نبتدئ نعلم أَن مَا النفث الْغَيْر نضيج وَمَا النفث الرَّدِيء وَكَأَنَّهُ يُسمى النَّفس النضيج الحميد بزاقاً وَالَّذِي بِخِلَاف ذَلِك نفثاً غير نضيج كَانَ أَو رديئاً. 

لي قَالَ: وَأما تِلْكَ الْأَسْمَاء الَّتِي تسمى نفثاً فَمَا كَانَ مِنْهَا فِيهِ حمرَة ناصعة يسيرَة أَو صفرَة أَو زبدية أَو رقة فَإِنَّهُ يدل على أَنه لم ينضج فَقَط وَلَا يدل على بلية فادحة فَأَما مَا كَانَ من النفث مفرطاً فِي الْحمرَة الناصعة أَو فِي الصُّفْرَة أَو فِي الزبدية أَو فِي الخضرة أَو النفث فِي اللزوجة أَو كَانَ مستديراً فَهُوَ رَدِيء وَأكْثر من هَذَا رداءة مَا كَانَ أسود قَالَ وَانْظُر مَعَ هَذَا فِي سهولة النَّفس وعسره وَذَلِكَ إِن كَانَ يخرج بسهولة دلّ على أَنه مَحْمُود جيد وَإِن كَانَ بِخِلَاف ذَلِك دلّ على أَنه رَدِيء. لي هَذَا يدل على أَن سهولة الْخُرُوج جيد لَا الشَّيْء الْخَارِج وَذَلِكَ أَنه إِن أمكن أَن يكون نفث أَخْضَر أَو أسود يخرج بسهولة فَلَيْسَ يجب من أجل ذَلِك أَن يكون هَذَا النفث مَحْمُودًا لَكِن جِهَة خُرُوجه مَحْمُود حَتَّى يكون مثلا نفثين متساوي الْحَال فِي الردائة وأسهلهما خُرُوجًا هُوَ أقلهما شرا وبالضد قَالَ: وَأَنا أجيئك بِشَاهِد من كتاب أبقراط فِي تقدمة الْمعرفَة يَأْتِي على جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْله: إِنَّه يَنْبَغِي أَن يخرج البزاق فِي جَمِيع الأوجاع الَّتِي فِي الصَّدْر والرئة والأضلاع بسهولة وَسُرْعَة وَيكون اللَّوْن الْأَحْمَر الناصع فِيهِ مخاطاً للبزاق جدا فقد دلك أبقراط بِهَذَا القَوْل: إِن اسْم البزاق إِنَّمَا يجب للنفث الطبيعي الَّذِي ذكرنَا أَنه يَنْبَغِي أَن يُوجد) الشَّيْء الْأَحْمَر الناصع قد خالطه مُخَالطَة شَدِيدَة.


لي قد تبين من هَذَا الْكَلَام أَن النفث الصَّالح الحميد فِي هَذِه الْعلَّة لَيْسَ هُوَ الَّذِي فِيهِ حمرَة وَلَا تغير الْبَتَّةَ بل الَّذِي يخالطه حمرَة قَليلَة مُخَالطَة شَدِيدَة فَإِن الِاخْتِلَاط الْجيد عَظِيم فِي الْقُوَّة وعَلى قدر جودة الِاخْتِلَاط يكون خُرُوجه من الردائة وبالضد فَإِن يكون الشَّيْء الرَّدِيء غير مختلط بالبزاق نعما رَدِيء.
قَالَ ج: أبقراط يظنّ دَائِما الِاخْتِلَاط فِي جمع الْأَشْيَاء إِذا كَانَ متفاوتاً غير مُتَسَاوِيَة والتجربة تشهد على ذَلِك قَالَ: ثمَّ قَالَ أبقراط: وَذَلِكَ أَن الْأَحْمَر الناصع ألف ألف إِذا كَانَ صرفا دلّ
قَالَ ج: إِنَّمَا يُرِيد بِالصرْفِ الَّذِي هُوَ غير مخالط للبزاق ثمَّ قَالَ: والأبيض اللزج والمستدير غير نَافِع ثمَّ ترقى إِلَى ذكر مَا هُوَ فِي غَايَة الرداءة فَقَالَ وَإِذا كَانَ أَخْضَر جدا أَو زبدياً فَإِن كَانَ صرفا مَحْضا حَتَّى يبلغ من ذَلِك إِلَى أَن يكون أسود فَهُوَ أردى مِمَّا ذكرنَا قبله فعلى هَذَا الْمِثَال فاستدل من الْأَشْيَاء الْخَاصَّة بِذَات الْجنب وَانْظُر مَعهَا فِي الْأَشْيَاء الْعَامَّة لَهُ مَعَ الْأَمْرَاض الحادة فَإِن الْأَعْلَام الجيدة احْتِمَال الْمَرِيض لمرضه وَصِحَّة النَّفس وألاّ يجد وجعاً وَأَن ينفث بزاقه بسهولة وَأَن يكون بدنه حاراً حرارة مستوية وَيكون ليّناً وَلَا يكون بِهِ عَطش وَيكون الْبَوْل وَالْبرَاز وَالنَّوْم والعرق مَحْمُودًا بِهَذِهِ الْأَعْلَام الجيدة الخاصية بآلات التنفس والمشتركة لجَمِيع الْأَمْرَاض الحادة قد نسقتها لَك وأتبع أبقراط بِذكر هَذِه العلامات الرَّديئَة فَقَالَ: وَأما الْأَعْلَام الرَّديئَة فَإِن تثقل على الْمَرِيض احْتِمَال مَرضه وَيكون نَفسه عَظِيما متواتراً وَلَا يسكن وَجَعه.
لي يَعْنِي الناخس الَّذِي فِي الْجنب قَالَ: وَإِن ينفث بزاقه بكدّ أَو أَن يعطس جدا وَأَن يكون حرارة الْحمى فِي بدنه مُخْتَلفَة فَيكون بَطْنه وجنباه حارة جدا وَتَكون جَبهته ويداه وَرجلَاهُ بَارِدَة وَيكون الْبَوْل وَالْبرَاز وَالنَّوْم والعرق كلهَا رَدِيئَة مذمومة.
قَالَ: النفث الْأسود مَعَ مَا يدلّ على أَنه غير نضيج قد يدلّ على التّلف من بِهِ ذَات الْجنب إِن ظهر بِآخِرهِ طَال الْمَرَض النوائب فِي ذَات الْجنب فِي أَكثر الْأَمر يكون غبّاً فَمَتَى رَأَيْت عَلامَة من عَلَامَات النضج أيّ عَلامَة كَانَت من قبل أَن يَأْتِي النّوبَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يدل على أَن الْمَرَض قصير سليم البزاق الشبيه ببزاق الأصحاء يدلّ على غَايَة سَلامَة آلَات التنفس والمخالف لَهُ على أَن آلَات النَّفس عليلة بِقدر تِلْكَ الْمُخَالفَة قَالَ: وَأما الَّتِي بالضد من الطبيعي فعلى أَنه غير نضيج وَأَن آلَات النَّفس فِي غَايَة الضعْف فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك فِيهِ شَيْء رَدِيء فعلى الْمَوْت.)
لي بِقدر تقدّم عَلَامَات النضج يكون قصر مُدَّة الْمَرَض وبقدر قوتها سَلَامَته أَمر التبّزق نضج ذَات الرئة وَالْجنب فِي بَاب إزمان الْأَمْرَاض فَإِنَّهُ فِيهَا على مَا يَنْبَغِي وَهَذِه جملَته أَن البزاق الَّذِي لَا حمرَة ناصعة فِيهِ وَلَا صفرَة خَالِصَة وَلَا زبدية وَلَا لزوجة السهل النفث العديم الوجع مَحَله فِي الدّلَالَة على نضج الْخَلْط الَّذِي مِنْهُ ذَات الْجنب محلّ الثّقل الْأَبْيَض الأملس الراسب فِي الْبَوْل وَإِلَّا ينفث الْمَرِيض الْبَتَّةَ لكنه يسعل سعالاً يَابسا نَظِير الْبَوْل المائي وَأَن ينفث شَيْئا قَلِيلا رَقِيقا فَإِنَّهُ ينْتَقل نقلا خَفِيفا إِلَى النضج جدا وَلَيْسَ يدل أَن ابْتِدَاء ذَات الْجنب قد انْقَضى بِهَذِهِ العلامات فضلا على تصاعده فَإِذا أقبل النفث يزْدَاد كَثْرَة وغلظاً فَهُوَ فِي طَرِيق النضج فَإِذا نفث نفثاً نضيجاً كثيرا سهلاً بِلَا وجع فَذَلِك النضج التَّام وَهُوَ وَقت منتهي الْمَرَض فَإِذا نقصت كمية هَذَا النفث وَكَانَ على غلظة وسهولة خُرُوجه وَلم يبْق شَيْء من الوجع الْبَتَّةَ فقد انْقَضى إِلَيْهَا الْمَرَض أَو انحط وَبعد هَذَا الْكَلَام مِثَال نقرأه من ثمَّ. 3 (مِثَال فِي الحميات) الَّتِي مَعَ ألف ألف أورام يمثل فِيهِ بِذَات الْجنب قَالَ: أما
الْموضع الَّذِي فِيهِ الورم فَهُوَ الغشاء المستبطن للأضلاع ويعرض بِسَبَب الورم فِيهِ وجع وَيكون هَذَا الوجع نَاقِصا ممتداً فِي مَسَافَة كَثِيرَة لِأَن الْموضع الَّذِي فِيهِ الورم غشاء والأوجاع الَّتِي تعرض فِي الأغشية الحساسة هَذِه حَالهَا وَلِأَن الغشاء حيّز من آلَات النَّفس يعرض لذَلِك المتنفس تَغْيِير من قبل أَنه قريب من الْقلب وَجب أَن ينَال الْقلب شَيْء بِمَا فِي الورم من الالتهاب وَإِذا نَالَ الْقلب ذَلِك الالتهاب وَجب أَن تكون حمى وَلما كَانَ أَيْضا قَرِيبا من الرئة والرئة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من السخافة والتخلخل واللين والإمكان لقبُول كل جَوْهَر رطب بسهولة وَسُرْعَة وَجب أَن تنَال الرئة بعض مَا فِي ذَلِك الغشاء من الرُّطُوبَة فَإِذا كَانَ فَلَا بُد أَن يحدث سعالاً وَلَا يجب ضَرُورَة أَن يقذف متداول الْأَمر شَيْئا لكنه إِن كَانَ مَا يسيل إِلَى الرئة من الورم ذَلِك الغشاء كثيرا غليظاً قذف مَعَ السعال وَإِن كَانَ رَقِيقا قَلِيلا فَهُوَ يهيج ضَرُورَة ويحرك السعال إِلَّا أَنه كَانَ لَا ينفث دون أَن يجْتَمع وينضج فتزداد كَثْرَة وغلظاً وَذَات الْجنب لِأَنَّهُ ورم فِي عُضْو مستحصف حاصر حَابِس لجَمِيع مَا فِيهِ من الرُّطُوبَة وَلَا يكون مَعَ ذَات الْجنب فِي أَوله نفث فَإِذا لِأَن واسترخى حَتَّى يسيل مِنْهُ شَيْء إِلَى الرئة كَانَ السعال أَكثر وَبَدَأَ النفث يكون وَتعلم مَا الْخَلْط الْمُحدث للورم من لون النفث وَذَلِكَ أَنه كَانَ مَا ينفث زبدياً فَإِن الْخَلْط بلغمي فَإِن كَانَ يضْرب إِلَى اللَّوْن الْأَحْمَر الناصع فَإِن الفضلة)
صفراء كَانَت تضرب إِلَى الصُّفْرَة المشبعة دلّ على أَنه يخالط الصَّفْرَاء رُطُوبَة كَثِيرَة مائية وَمَتى كَانَ يضْرب إِلَى الصُّفْرَة الرقيقة فَإِن مَا يخلط من المرار الصّرْف من هَذِه الرُّطُوبَة أَكثر.
وَمَتى كَانَ النفث أسود فَإِن الْخَلْط مائل إِلَى السوَاد وَمَتى كَانَ يضْرب إِلَى الْحمرَة القانية أَكثر مَا يضْرب إِلَى اللَّوْن الناصع فَإِن أَكثر ذَلِك الْخَلْط دم وَأقله صفراء وَلذَلِك صَار هَذَا النفث أقل مَكْرُوها وأدلها على التّلف وَقُوَّة الْأَعْرَاض الَّتِي ذكرنَا يَعْنِي النخس والحمى وضيق النَّفس دَال على قُوَّة الْمَرَض وضعفها على ضعفه ونبض ذَات الْجنب صلب مَعَ تمدد لِأَن الْعلَّة فِي عُضْو عصبي وَهُوَ مُتَسَاوِيَة لِأَن الْعلَّة ورم وَهُوَ سريع متواتر عَظِيم من أجل أَن مَعَه حمى شَدِيدَة والنبض فِي هَذِه الْأَعْرَاض يدل على شدَّة الْعلَّة وبالضد.
قرصة جَيِّدَة لإنضاج الورم فِي الصَّدْر والرئة: بزر الخطمى وَالْخيَار والخبازي والبطيخ والقرع وَرب السوس وزهر إكليل الْملك وبنفسج وكثيراء يقرص بلعاب بزر الْكَتَّان ويسقى بِمَاء التِّين.
جَوَامِع البحران: البزاق الدَّال على النضج لم يكن بعد هُوَ البزاق الْأَبْيَض واللزج وَالَّذِي يخالطه الدَّم وَمِنْهَا مَا يدل على الْخطر كالمشبع الْحمرَة والأصفر وَالَّذِي لَونه لون البان والنفث الْأسود مِنْهُ شَيْء فِي غَايَة الدّلَالَة على الْهَلَاك وَهُوَ الَّذِي مَعَ سَواد منتن وَمِنْه أقل دلَالَة على الْهَلَاك وَهُوَ أَن يكون أسود وَلَا يكون منتناً وَهَذِه
الْأَرْبَع دَلَائِل فِي كل نفث الْأَشْيَاء الَّتِي تنفث فَينْعَقد فِيهَا كميتها وكيفيتها ورقة خُرُوجهَا وَالْوَجْه الَّذِي لَهُ يخرج كميتها فَلِأَن مِنْهَا قَلِيلا وَلِأَن مِنْهَا كثيرا وكيفيتها ألف ألف فَيضْرب على أَرْبَعَة أَشْيَاء إِمَّا على القوام وَهُوَ مَاء غليظ وَإِمَّا رَقِيق وَإِمَّا على اللَّوْن وَهُوَ إِمَّا أَبيض وَإِمَّا نَارِي أَو أَحْمَر مشبع أَو أسود وَإِمَّا الرَّائِحَة وَهُوَ إِمَّا منتن وَإِمَّا غير منتن وَإِمَّا التشكل فَهُوَ إِمَّا أَن يكون مدوّراً أَو غير مدوّر وَأما وَقت خُرُوجه فَلِأَن مِنْهُ مَا ينفث فِي أول الْأَمر وَمِنْه مَا يتَأَخَّر وَأما الْوَجْه الَّذِي لَهُ يخرج فَإِنَّهُ يكون إِمَّا سهلاً بِلَا سعال وَإِمَّا مَعَ شدَّة سعال.
قَالَ:
الكتاب: الحاوي في الطب
المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)
المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي
الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م عدد الأجزاء: 7
الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

0 Response to "مسَائِل الْفُصُول 3"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel