بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

مسَائِل الْفُصُول

مسَائِل الْفُصُول

الخريف يضر بأصحاب السلّ اليبس مزاجه مَعَ شمالية فِيهِ فَيصير لذَلِك المرف بالصدر والرئة كَمَا يضر الشمَال وَلَا رُطُوبَة لَهُ كالشتاء وَلَا حرارة فِيهِ فيحلل شَيْئا فَهُوَ مُوَافق فِي الْإِضْرَار.

ابْن ماسويه فِي كناشة: إِن كَانَ نفث الدَّم من تأكّل فَلَا تفصد لَكِن عَلَيْك بالتنقية من الأغذية مثل الْعَسَل والمعدلة مثل مَاء الشّعير ألف ألف واسقه المجففات بِلَا لزع والقابضة كقرص الكهربا.

ابْن سرابيون: السلّ إِمَّا أَن يكون بعد نفث الدَّم أَو بعد ذَات الْجنب أَو ذَات الرئة أَو بعد نَوَازِل حريفة دائمة تنزل من الرَّأْس وَالَّذِي من نفث الدَّم بِخَاصَّة يكون السلّ من خرق عرق فِيهَا أَكثر وَأَشد والمستعدون لنفث الدَّم مستعدون للسلّ وهم الَّذين صُدُورهمْ ضيقَة قَليلَة العمق وأكتافهم معرات من اللَّحْم ناتية عَن الظّهْر بِمَنْزِلَة الأجنحة فَإِن هَؤُلَاءِ مستعدون لنفث الدَّم وَكَذَلِكَ الْأَبدَان الطَّوِيلَة الأرقاب الجاحظة الْحَنَاجِر والأبدان الَّتِي تمتلي رؤسها سَرِيعا وتسل مِنْهَا أبدا نَوَازِل إِلَى الرئة مستعدة للسعال الطَّوِيل والسلّ فَإِن اجْتمع ضعف الرَّأْس وَكَثْرَة النَّوَازِل مِنْهُ إِلَى رداءة بنية الصَّدْر كَانَت فِي غَايَة الاستعداد للسلّ والبعيدة من نفث الدَّم الَّذين أكتافهم لَا ضاقة بصدورهم ولحومهم خشان وأبدانهم ناتية فَهَؤُلَاءِ لَا يحدث لَهُم نفث الدَّم إِلَّا فِي الْفَرد من سَبَب عَظِيم تضطره إِلَى ذَلِك إِذا حدثت الْعُرُوق الطرية أَعنِي فِي عروقه ولحمه فَإِنَّهُ يبرأ سَرِيعا وَذَلِكَ أَن صديدها لَهُ مَوضِع ينصب إِلَيْهِ وَلِأَن الْعُرُوق الَّتِي فِي الصَّدْر صغَار لَا يحدث فِيهَا فتق عَظِيم بِسَبَب أَن فِيهِ لحمية كَثِيرَة فَأَما الشق فِي عروق الرئة ولحمها فَإِنَّهُ يعسر برؤها لخلال مِنْهَا أَن عروقها كبار وَأَن لَحمهَا قَلِيل رخو وغضاريفها كبر وَإِن مَضَت الصديد مِنْهَا لَا يكون إِلَّا بالسعال والقرحة الطرية يحْتَاج إِلَى هدوء وَسُكُون ليلتحم والسعال يحركها ويفتقها وَمَعَ ذَلِك يورمها وَيجمع ذَلِك الورم صديداً وَيحْتَاج ذَلِك الصديد إِلَى أَن ينفث بالسعال فيدور الْأَمر وَأَيْضًا فَلِأَن الْأَدْوِيَة الَّتِي تعالج بهَا الرئة تحْتَاج إِلَى أَن يسْلك أَمَاكِن كَثِيرَة حَتَّى يصل إِلَيْهَا فيضعف لذَلِك وَلِأَن قُرُوح الرئة يحْتَاج إِلَى تجفيف كَسَائِر القروح إِلَى أدوية لَطِيفَة حارة لتوصل الْأَدْوِيَة الَّتِي تصلح للقرحة إِلَيْهَا وَيكون فِي الْأَكْثَر مَعَ حمى والحمى تمنع من هَذِه فقد عسر علاج قُرُوح الرئة وُجُوهًا قَالَ: وَيلْزم للَّذين حدث بهم السلّ من حِدة أَو ورم أَو أكال حمى دائمة لينَة وتهزل الْجِسْم وتتقوس أظافرهم لِأَن اللَّحْم الَّذِي تحتهَا يذوب فَإِذا طَال انتثر الشّعْر وَكَانَ مَا ينقيه) شَدِيد النثر ثمَّ يَأْخُذهُ يحتبس النفث وَذَلِكَ عِنْد قرب الْمَوْت لأَنهم يَخْتَلِفُونَ حِينَئِذٍ ويموتون وَقبل ذَلِك مَا يبطل بِهِ الشَّهْوَة وينحل الْبَطن لَا يُمكنهُم أَن ينفثوا وَهَكَذَا يَمُوت المسلول وَيسْقط الْقُوَّة الْبَتَّةَ ولسقوط الْقُوَّة فَإِذا عرض احتباس النفث من أول الْأَمر إِلَى أَن يظْهر هَذِه العلامات فَإِن ذَلِك لردائة الْعلَّة فَإِنَّهُ قد يعرض احتباس النفث مُنْذُ أول الْأَمر فِي السلّ الرَّدِيء العديم النضج الْبَتَّةَ.

قَالَ إِسْحَاق فِي علاج قرحَة الرئة ألف ألف مَعَ حمى قَالَ: تسكن الْحمى مرّة بالتطفئة والتبريد والترطيب وَأُخْرَى إِلَى تجفيف القرحة وَاعْلَم أَن القرحة الْحَادِثَة من التأكّل لَا تبرئ لِأَن مثل هَذِه القرحة يحْتَاج إِلَى مُدَّة طَوِيلَة فِي برئها وَفِي هَذِه الْمدَّة إِمَّا أَن يكون يتعفن ويقلب فتتأكل الرئة كلهَا وَإِمَّا أَن وَقت التأكل جَفتْ الرئة وصلبت وَصَارَت فِي حد مَا لَا يُمكن أَن تلتحم وَاعْلَم أَن القرحة الْحَادِثَة من أكال إِن لم تتدارك سَرِيعا ابْتِدَاء آلت إِلَى مَا ذكرنَا من السلّ فَإِذا كَانَ كَذَلِك أَعنِي إِذا لم يعالج الَّتِي عَن أكالها سَرِيعا فَأقبل عَلَيْهَا بِمَا تجففها مَا أمكن لِئَلَّا تتأكّل الرئة كلهَا وَاحْذَرْ أَن تنصب من رُؤْسهمْ إِلَى رئاتهم شئ وَذَلِكَ يُمكن بالإسهال بِمَا ينقى الرَّأْس وَالَّتِي تمنع من النَّوَازِل كالدياقوذا وَإِن كَانَ الرَّأْس شَدِيد الامتلاء فافصد القيفال ثمَّ أسهل بِمَا ينقى الرَّأْس إِن لم تكن حمى أَو كَانَت لينَة فَبِهَذَا وَصفته تَرَبد أَبيض دِرْهَم صَبر مغسول دِرْهَم دِرْهَم رب السوس نصف دِرْهَم فَإِن لم تكن حرارة الْبَتَّةَ فَاسق حب الأفاوية مَعَ الماست وَإِن كَانَت حرارة شَدِيدَة فأعط الْمَطْبُوخ الْمُتَّخذ من البنفسج وأصل السوس وَالزَّبِيب والسبستان والعناب والخيارشنبر والترنجبين فَإِذا نقيت أبدانهم فأعطهم الْأَدْوِيَة المغرية المعدلة مَعَ المجففة مثل مَاء الشّعير بسرطانات واسقهم عِنْد النّوم بزر قطونا وطيناً أرمينياً فَإِنَّهُ نَافِع جدا وَاجعَل شرابهم مَاء الْمَطَر أَو مَاء قد ألْقى فِيهِ طين أرميني وَورد وطباشير وَمَتى كسرت الخشونة وَامْتنع النفث فأسهله بالأدوية والأغذية اللينة وَمَتى كَانَت ذَلِك صَالحا فَعَلَيْك بالمجففة بِقدر مَا يُمكن وَاسْتعْمل اللَّبن إِذا لم تكن حمى أَو كَانَت يسيرَة فأعط الْحَيَوَان الَّذِي يجلب مِنْهُ أَشْيَاء مجففة وَلبن النِّسَاء أفضل وَاللَّبن جيد لمن قد نهك جدا وَهَهُنَا ضرب من السل يكون بِلَا حمى ويتقدمه سعال طَوِيل وَنَفث غليظ
لزج جدا شَبيه بغراء السّمك وَلَيْسَت فيهم حرارة الْبَتَّةَ وَلَا كَانَ سَبَب سلهم تقرّح الرئة بل دوَام نَوَازِل كَثِيرَة إِلَيْهَا وتضيق لقصبتها وينهكون لدوام السعال وضيق النَّفس فعالج هَؤُلَاءِ بعلاج الربو وأعطهم أدوية مسهلة من القيلوط والعهل وَمَاء)
النخالة ولوز الصنوبر واللوز بِقدر قلَّة الْحَرَارَة فيهم يُقَوي الملطفات وأحرص على كَثْرَة نفثهم فَإِن ذَلِك خلاصهم لِأَن هَؤُلَاءِ أَيْضا إِنَّمَا يموتون بِأَن يضعفوا عَن النفث وَاحْذَرْ فِي هَؤُلَاءِ التجفيف بالأدوية والضماد وَعَلَيْك بالترطيب وَإِن سقيتهم لَبَنًا فَاجْعَلْ مَعَه شَيْئا مقطعاً وَأما من حدث بِهِ السل من قرحَة فجفف مَا أمكن بالأدوية وبالضماد يضمد الصَّدْر بِالصبرِ والمر والأقاقيا وَجوز السرو والرامك والكهربا ورماد كرنب وأدهنه بدهن آس أَو بدهن ورد وَإِذا كَانَت لي هَذَا صَلَاح مِقْدَار كَلَامه وَهُوَ نَاقص عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَن ألف ألف نصف نَحن علاج الرئة من انفتاق الْعرق الَّذِي من أكال الرئة فِي ابتدائها وَبعد الِابْتِدَاء وعلاج الَّذِي من الْمدَّة وَالْخَرَاج فِي الرئة فَأَما علاج السل الغليظ فَحق على مَا قَالَ: علاجه علاج الربو إِلَّا أَنه رُبمَا كَانَ مَعَه حرارة فَيحْتَاج أَن يفصد قَلِيلا.
ابْن سرابيون قَالَ: إِذا كنت قد عزمت على أَن ينقى الْمدَّة من الصَّدْر بالنفث فَلْيَكُن التَّدْبِير غليظاً منعساً وَلَا يحْتَاج إِلَى المقطعات وَإِذا عزمت على تنقيته بالنفث فَإنَّك تحْتَاج مَعَ الإنعاس أَن تكون الْأَشْيَاء الملينة والملطفة وَلَا يكون هُنَاكَ شَيْء مغلظ الْبَتَّةَ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يستفرغها قَلِيلا قَلِيلا لِئَلَّا تسْقط الْقُوَّة وَإِن كَانَت هَذِه الْمدَّة بَيْضَاء تحّسه وَهُوَ أَحْرَى أَن يسلم العليل ويندمل جرحه وَإِن كَانَت رَدِيئَة مُنْتِنَة فَهُوَ أَحْرَى أَن ينقى جرحه متأكّلا. لي مَرَاتِب السلّ وأبوابه هِيَ ابْتِدَاء نفث الدَّم المزمن وَذَات الْجنب والتقيح وَذَات الرئة وَذَات الْحجاب ثمَّ الصنفان الْآخرَانِ اللَّذَان يكونَانِ من نَوَازِل الرَّأْس أَحدهمَا من النزلة الْحَادِثَة الحريفة الَّتِي تَأْكُل الرئة وَالثَّانِي من الغليظ الْكثير الَّذِي يملأها وَهُوَ السل الزُّبْدِيُّ وَاعْلَم أَن الدُّبَيْلَة النافذة إِلَى تجويف الصَّدْر تبرؤ والنافذة إِلَى تجويف الأمعاء والمعدة لَا تكَاد تبرؤ يسْعَى أَلا تلحم الْموضع الَّذِي تنقيه حَتَّى يلتحم فتق الدُّبَيْلَة.
قَالَ فِي جَوَامِع الْعِلَل والأعراض: أَصْحَاب السلّ تغور أَعينهم وتحتد آنافهم وتلطى أصداغهم يشخص مِنْهُم الكتفان والمرفقان حَتَّى تتعلقا بارزين عَن الْجَسَد بِمَنْزِلَة الجناحين. لي وَاعْلَم أَن المجنحين هم الَّذين تبعد مرافقهم وَجُمْلَة الْعَضُد عَن الجنبين وَسبب
ذَلِك من شخوص الْكَتِفَيْنِ ونتوه فِي الظّهْر لِأَنَّك مَتى فعلت ذَلِك بِإِرَادَة تبَاعد الْعَضُد عَن الْجنب وخاصة إِذا شلته مَعَ ذَلِك إِلَى فَوق.
تقدمة الْمعرفَة قَالَ أبقراط: البصاق الَّذِي يخالطه دم لَيْسَ بِكَثِير وَهُوَ أَحْمَر ناصع فِي ذَات الرئة)
هُوَ فِي أول الْأَمر لِلْعِلَّةِ بدل على السَّلامَة جدا فَإِن أَتَى على الْعلَّة أُسْبُوع أَو أَكثر والبصاق على هَذِه الْحَال يُمكن تهتك بِهِ أقل.
قَالَ ج: هَذَا النفث يدل على أَن الورم الَّذِي فِي الرئة دموي وَهَذَا الورم ينضج فِي أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى سَبْعَة أَيَّام فَإِن بَقِي بِحَالهِ بعد السَّابِع دلّ على أَنه عسر النضج وَإِذا أَبْطَأَ النضج وَقع الْخَطَأ إِمَّا من العليل أَو من الطَّبِيب أَو سَقَطت الْقُوَّة قبل ذَلِك فَلذَلِك بَقَاؤُهُ بِحَالهِ لَيْسَ بجيد.
مُفْرَدَات ج: الزفت الرطب جيد لمن ينفث الدَّم يسقى فِي غَيره أُوقِيَّة لَا تزيد وقية ويصقع عسل ينفع لتسهيل نفث الْمدَّة لِأَنَّهُ قد وصف للربو الطين الَّذِي يجفف قُرُوح أَصْحَاب السل حَتَّى لَا يسعلوا بعد ذَلِك إِلَّا قَلِيلا إِلَّا أَن يَقع فِي تدبيرهم خطأ وكما أَن النواصير يلطى ويجف إِذا جففت وَإِن لم يبن كَذَلِك قُرُوح الرئة ينْتَفع بالأدوية المجففة حَتَّى أَن كثيرا من النَّاس قد ظن أَنَّهَا بَرِئت لما استعملها وانتقل بعد ذَلِك إِلَى هَوَاء يَابِس ثمَّ أَنهم لما تركُوا التحفظ وأطلقوا تدبيرهم عاودهم السعال كَمَا أَن النواصير خَارِجا ألف ألف أَيْضا ترطب من امتلاء الْبدن. د: القطران إِذا تحسى مِنْهُ أُوقِيَّة وَنصف نقي قُرُوح الرئة وأبدلها حب الْغَار جيد للقرحة فِي الرئة وعسر النَّفس الغاريقون يسقى لقروح الرئة بالطلاء والكراث النبطي جيد لقرحة الرئة.
اوريباسلس وبولس: الزّبد ينضج علل الصَّدْر والرئة وينفع من السعال.
ابْن ماسويه: مرق السرطان النَّهْرِي جيد للمسلولين وَكَذَلِكَ لحومها.
الخوز قَالَت: السوس يحل الْمدَّة من الصَّدْر.
أَبُو جريح: الصمغ الْعَرَبِيّ يرفع ضَرَر قُرُوح الرئة بَارِد يَابِس جدا.
الثَّانِيَة من مسَائِل الْفُصُول قَالَ: من وَقع فِي السلّ من الشبَّان فَإِنَّهُ يَمُوت إِذا بلغ سنّ الكهول. لي إِنَّمَا كتب هَذَا لتخطئة من يرى أَن طول عمر المسلول بسنه.
الكتاب: الحاوي في الطب
المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)
المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي
الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م عدد الأجزاء: 7
الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

0 Response to "مسَائِل الْفُصُول"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel