بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

اجتنب المسهلة وَاسْتعْمل الفصد

قَالَ أبقراط: وَإِذا بلغ الوجع الْموضع الَّذِي دون الشراسيف فَاسْتعْمل المسهل.

قَالَ جالينوس: إِذا كَانَ مَعَ الشوصة حمى قَوِيَّة فاجتنب المسهلة وَاسْتعْمل الفصد فَإِن الفصد فِي هَذِه الْحَال يُؤمن من ذَات الْجنب أَعنِي الَّذِي يكون الوجع من السُّفْلى وَإِن كَانَ لَا يعظم نَفعه كنفعه للمائل ووجعه إِلَى فَوق فَإِنَّهُ لَا خطر فِيهِ وَأما المسهل فعظيم الْخطر وخاصة إِذا لم تعرف طبيعة من تسقيه وَكم الْقدر الَّذِي يسهله فَإِنَّهُ من ذَلِك يجتلب مضاراً عَظِيمَة فَمَتَى كَانَت بِهِ حمى لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يفرط فِي إسهاله أَو يُحَرك خلطه وَلَا يسهله فَإِن أقللت من الدَّوَاء فتعظم ألف ألف الْمضرَّة لَكِن إِن كنت عَارِفًا بطبيعته حق مَعْرفَته وكمية مَا يصلح لَهُ من دَوَاء فأسهله قَالَ: وَأحمد مَا يسهل بِهِ هَؤُلَاءِ الأيارج وَإِن كَانَ فِيهِ خربق فَهُوَ خير من أَن يَقع فِيهِ سقمونياً وَإِذا احْتبسَ الإسهال فاسقه مَاء الشّعير لِأَنَّهُ يعدّل المزاج الَّذِي حذّره الدَّوَاء وَيخرج بقاياه من الْجَسَد وَليكن أقل مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة فِي ذَلِك الْيَوْم أَنِّي من مَاء الشّعير ثمَّ يرجع إِلَى الْعَادة فَإِذا سكن الوجع فزد فِيهِ أَيْضا بِقدر ذَلِك وَاسْتعْمل الاستحمام بعد النضج فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يعين جدا وينفع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يسهل نفث الأخلاط.

من جَوَامِع النبض الْكَبِير قَالَ: الورم الْحَادِث فِي الْحجاب يتبعهُ وجع ناخس وغشى وتشنج إِن أفرط ونبض صلب منشاري قَالَ: منشارية النبض فِي ذَات الْجنب إِن كَانَ يَسِيرا فَإِن الورم سهل النضج وَالْعلَّة سريعة البحران وَإِن كَانَ قَوِيا جدا بيّناً عَظِيما دلّ على عسر نضج الورم وردائته فَإِن كَانَت قُوَّة العليل مَعَ ذَلِك قَوِيَّة آل إِلَى جمع الْمدَّة والسل والذبول وَإِن كَانَت ضَعِيفَة فَهُوَ يَمُوت وَمَتى كَانَ تَوَاتر النبض شَدِيدا فِيهَا فَالْأَمْر يؤول إِلَى ذَات الرئة أَو الغشي وَإِن كَانَ قَلِيلا آل إِلَى السبات أَو إِلَى آفَة تحدث فِي العصب قَالَ: الورم الْحَار الْمُسَمّى فلغموني إِذا حدث فِي الغشاء المستبطن للأضلاع فَهُوَ ذَات الْجنب فَإِن جمع هَذَا الورم وقاح وانفجر سمي جمع من تقدمة الْمعرفَة: أَجود النفث فِي علل الرئة والأضلاع السهل الْخُرُوج السَّرِيع أَعنِي بالسريع مَا) يبتديء بعد وَقت قَلِيل من ابْتِدَاء الْعلَّة لِأَن ذَلِك يدل على قرب وَقت الْعلَّة وقصرها والسهل الْخُرُوج يدل على أَن الْخَلْط لَيْسَ بغليظ وَلَا رَقِيق لِأَن الغليظ لَا يخرج إِلَّا بكدّ وَيحْتَاج إِلَى قُوَّة قَوِيَّة حَتَّى تخرجه بِجهْد شَدِيد وَالرَّقِيق يفلت عِنْد الضغط ويزلق إِلَى أَسْفَل ويتقطع ويتفرق فيعسر خُرُوجه النفث الْجيد إِذا رَأَيْت فِيهِ الْحمرَة مُخَالطَة للبياض وَأما غير المخالط فَإِنَّهُ يدل على أَنه من صفراء مَحْضَة وَمَتى تَأَخّر النفث عَن أول الْعلَّة تأخراً كثيرا ثمَّ كَانَ أَحْمَر أَو أصفر لَيْسَ بشديد المخالطة للريق كَانَ نفثه بسعال كثير متدارك فَذَلِك رَدِيء.

النفث الْأَحْمَر الصّرْف دالّ على خطر إِذا لم يكن ممازجاً للبلغم والأبيض اللزج المستدير يحدث عَن البلغم المحترق وَهَذَانِ جَمِيعًا إِذا كَانَا بِسَبَب الورم فِي الأضلاع فَلَيْسَ بجيد والأخضر والزبدي رديئان لِأَن أَحدهمَا يدل على أَن سَبَب الورم الْمدَّة الحادة وَالْآخر يدل على ريح مشتبكة برطوبة غَلِيظَة يعسر تخلصها مِنْهُ أَو على حرارة نارية على نَحْو مَا يكون الزّبد خَارِجا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون عَن هذَيْن السببين فَإِن كَانَ أسود فَهُوَ أردأ من هذَيْن لِأَن ذَلِك ألف ألف يدل على أَن سَبَب الورم مرّة سَوْدَاء وَهُوَ شَرّ القروح وأطولها بَقَاء وأعسرها انحلالاً قَالَ: وَمَتى لم يرْتَفع من الْحلق شَيْء حَتَّى يخرج وَلَكِن يبْقى الْحلق ممتلئاً حَتَّى يحدث فِيهِ شَبيه بالغليان فَذَلِك رَدِيء فَأَما الزُّكَام والعطاس فَإِنَّهُ فِي جَمِيع علل الصَّدْر رَدِيء قبل الْعلَّة كَانَ حُدُوثه أَو بعْدهَا وَذَلِكَ أَن الزُّكَام يسيل إِلَيْهَا أخلاطاً والعطاس فَإِنَّهُ يُحَرك ويزعزع فَإِذا عرضت هَذِه بعد طول الْمَرَض أنذرت بطول الْعلَّة وعظمها فِي الرئة وَإِن الرَّأْس قد ناله ضَرَر والبصاق الَّذِي يخالطه شَيْء من الدَّم لَيْسَ بالكثير وَهُوَ أَحْمَر ناصع فِي ذَات الرئة فَهُوَ فِي أول الْعلَّة يدل على السَّلامَة جدا فَإِن أَتَى عَلَيْهِ سَبْعَة أَيَّام أَو أَكثر وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَال فَلْيَكُن رجاؤك فِيهِ أقل لِأَن الأورام الْحَادِثَة فِي الْأَعْضَاء يسيل مِنْهَا صديد من جنس ذَلِك الْخَلْط الْمُحدث للورم فَإِن كَانَ الْخَلْط صفراء كَانَ النفث أصفر وَإِن كَانَ أَحْمَر فَهُوَ دم وَإِن كَانَ أَحْمَر ناصعاً كَانَ الْخَلْط مختلطاً من الصَّفْرَاء وَالدَّم وَإِن كَانَ أَحْمَر فَإِن بِهِ المولد للورم دم وَهُوَ أحد الدَّلَائِل المحمودة وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين من يَنْقَطِع عرق فِي رئته أَن النفث يكون دَمًا خَالِصا مَحْضا وَيكون كثير الكمية فَأَما فِي هَذَا فَلَيْسَ بِدَم خَالص لكنه مخالط لرطوبات وَمِقْدَار قَلِيل وَهَذَا النفث الَّذِي ينضج فِي الْأَكْثَر فِي الرَّابِع وَإِلَى السَّابِع

فَلذَلِك يتَغَيَّر النفث وَلَا يبْقى بِحَالهِ فَإِن لم ينضج وَلَا فِي السَّابِع بَقِي النفث بِحَالهِ فَحِينَئِذٍ ينذر بطول الْمَرَض لِأَن نضجه عسر وَلذَلِك لَا يُؤمن فِي)
طول هَذِه الْمدَّة أَن تسْقط الْقُوَّة أَو يحِق عَلَيْهِ أَعنِي على الْمَرِيض طبيبه فَلذَلِك يجب أَن تقوى الْقُوَّة وكل نفث لَا يكون بِهِ سُكُون الوجع فَهُوَ رَدِيء وَالْأسود رَدِيء جدا وَهُوَ أردأها كلهَا وَمَا كَانَ بِهِ سُكُون الوجع على أيّ وَجه كَانَ فه أَجود إِلَّا أَن يخْتَلط عقل العليل فَلَا يحس بالوجع إِذْ ذَلِك والنفث الْأَحْمَر والأصفر أقل خطراً وَالْأسود شَدِيد الْخطر وَيجب أَن تجمع دَلَائِل اللَّوْن وسهولة النفث وَالْقُوَّة وانتفاع العليل بالشَّيْء الَّذِي ينفث وإضراره وَمِقْدَار الْقُوَّة وزمان النضج كُله ثمَّ اجْمَعْ من ذَلِك الحكم على العليل وَمَا كَانَ من أوجاع الصَّدْر والرئة لَا يسكن عِنْد النفث وَلَا بالإسهال وَلَا بالفصد وَلَا بالكماد فَإِن أمره يؤول إِلَى التقيح فَافْهَم هَذَا فِي الْأَمْرَاض الَّتِي مَعهَا دَلَائِل السَّلامَة يمْنَع أَن لَا يسكن الوجع بِشَيْء من العلاج آل الْأَمر إِلَى التقيح فَإِن لم يكن مَعَه دَلَائِل السَّلامَة فَإلَى العطب وَذَلِكَ أَن الَّذِي مَعَه دَلَائِل السَّلامَة وَلَا يسكن بالعلاج الوجع هُوَ متوسط بَين الْأَمْرَاض السهلة والقاتلة وَإِذا حدث الْقَيْح والبصاق يغلب عَلَيْهِ بعد المرار فَهُوَ رَدِيء كَيفَ كَانَ خُرُوجه إِن كَانَ يخرج النفث الْأَصْفَر مرّة والمدة أُخْرَى وَكَانَا مختلطين لِأَن الأورام الَّتِي تتقيح فِي أعالي الْجِسْم وَيكون بَعْضهَا قد تقيح وَبَعضهَا لَا فَإِن تبين مَعَ ذَلِك دَلِيل رَدِيء فردائته أَشد وَذَلِكَ أَنه ألف ألف يدل على أَن الطبيعة قد رامت إنضاج الْخَلْط وَلم يجب الْخَلْط إِلَى ذَلِك.
لي لم تجب كلهَا. قَالَ: وَلَا سِيمَا من بَدَت بِهِ الْمدَّة وَقد أَتَى عَلَيْهِ من مَرضه سَبْعَة أَيَّام وتوقع لمن ينفث هَذَا النفث أَن يَمُوت فِي الرَّابِع عشر إِلَّا أَن يحدث نفث مَحْمُود.
مِثَال: ضع أَن مَرِيضا متوسط الْحَال فِي الْقُوَّة وَالسّن قذف فِي السَّابِع مُدَّة غير خَالِصَة لَكِن تختلط برطوبة مرارية لتَكون حَاله فِي هَذَا أَيْضا متوسطة أَقُول: إِنَّه إِن حدث لهَذَا دَلِيل جيد فَرُبمَا تَأَخّر مَوته إِلَى بعد الرَّابِع عشر وَإِن ظهر دَلِيل رَدِيء فرديء وَإِن لم يظْهر كَانَ مَوته فِيهِ لِأَن هَذَا الْوَقْت الْوسط بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ اللَّذين أَحدهمَا للمرض الَّذِي هُوَ فِي غَايَة الرداءة وَالْآخر الَّذِي هُوَ أقل رداءة فَيجب فِي هَذَا أَن تزن قُوَّة الدَّلَائِل الرَّديئَة والجيدة وترتبها فَمَتَى ظهر مَعَ البصاق المهلك بعض الدَّلَائِل الرَّديئَة والمرتبة الأولى لم يُمكن أَن يبْقى الْمَرِيض إِلَى الْحَادِي عشر والغيب لله وَأكْثر من ذَلِك كثيرا مَتى ظهر مَعَه أَكثر من دَلِيل وَاحِد وَكَذَلِكَ إِن ظهر مَعَه بعض الدَّلَائِل المحمودة انْتهى الْمَرَض إِلَى الْأُسْبُوع الثَّالِث وعَلى نَحْو ذَلِك فقس إِذا اخْتلطت ويصحح ذَلِك أَيْضا قُوَّة العليل ومزاجه وَالْوَقْت إِذا شهد لَهُ وَعَلِيهِ والتقيح يتقيح فِي السَّابِع فِي الأول حَتَّى)
يكون الْخَلْط حاراً جدا فَأَما فِي الْأَكْثَر فَفِي الْعشْرين إِلَى الْأَرْبَعين وَالسِّتِّينَ وعلامة التقيح حُدُوث النافض وتتبعها الْحمى لِأَن الْمدَّة إِذا لذعت الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة وأكلتها حدث عَن ذَلِك مَا يحدث عَن الْأَدْوِيَة الحريفة فِي
القروح وَيتبع هَذَا النافض حمى شَدِيدَة ويحس العليل بثقل لِأَن الْخَلْط قد اجْتمع فِي مَكَان وَاحِد ومبدء هَذَا الْيَوْم إِلَى الْعشْرين إِلَى الْأَرْبَعين إِلَى السِّتين يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّع الانفجار.
وَهَذِه الْأَعْرَاض الْخَالِصَة بالتقيح هُوَ أَن يكون الْخَلْط قد اسْتَحَالَ مُدَّة ثَلَاث أَحدهَا النافض وَالثَّانِي الثّقل وَالثَّالِث الْحمى الشَّدِيدَة بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَت كثيرا فِي عِلّة الشوصة يجْتَمع الْمَادَّة فِي آخر تجويفي الصَّدْر فَأَما إِذا انفتحت الرئة فَيمكن أَن تَجْتَمِع مُدَّة فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَمرَّة إِلَى أَحدهمَا ويستدل على الْجَانِب الْمُجْتَمع فِيهِ الْمدَّة من شدَّة الْحَرَارَة فِي ذَلِك الْجَانِب والثقل فِيهِ وَإِن أنمت العليل على جَانب فَوجدَ من الْجَانِب الْأَعْلَى ثقلاً كَانَ شَيْئا مَعَه فالمدة فِي ذَلِك الْجَانِب فاستدل على ابْتِدَاء التقيح بِهَذِهِ الدَّلَائِل الَّتِي وَصفنَا وَهِي النافض والحمى بأشد مِمَّا كَانَت والثقل فَأَما الَّذِي قد استحكم فَإِن أمره يظْهر بَينا جيدا لِأَن دلائله قَوِيَّة وَهِي هَذِه: أَنه يلْزمهُم حمى غير مُفَارقَة الْبَتَّةَ لَكِنَّهَا تكون بِالنَّهَارِ مندفنة دقيقة وبالليل أقوى ويعرقون عرقاً كثيرا ويستريحون إِلَى السعال وَلَا ينفثون شَيْئا لَهُ قدر وتغور أَعينهم وتحمر وجناتهم وتتعقف أظفارهم ألف ألف من أَصَابِع أَيْديهم وتسخن أَصَابِعهم وخاصة أطرافها وَيحدث فِي الْقَدَمَيْنِ أورام وَتبطل شَهْوَة الطَّعَام وَيحدث فِي أبدانهم نفاخات لِأَن الطباء يسمون من اجْتمعت الْمدَّة فِي رئته أَو فِي آخر فضائي الصَّدْر أَو فيهمَا جَمِيعًا أَو فِي الغشاء المستبطن للأضلاع متقيحين وَمَتى لم يقذف هَذَا الْقَيْح بسهولة وَسُرْعَة آلت الْحَال فِيهَا إِلَى السلّ وَإِذا وَقع السّل حدث حمى دائمة تقوى بِاللَّيْلِ وَذَلِكَ يُصِيب جَمِيع من يحم حمى الدق زِيَادَة حمى الدق بِاللَّيْلِ إِنَّمَا تكون لِأَن الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة مِنْهُم أسخن فَإِذا رطبت عِنْد التغذي وَالنَّوْم سخنت كَمَا تسخن النورة بِالْمَاءِ وَأما العَرق فَيعرض لَهُم بِسَبَب ضعف الْقُوَّة لِأَن الْغذَاء ينْحل من أبدانهم ويتشوقون إِلَى السعال ويصيبهم شَبيه بالدعدعة من أجل الْمدَّة المحتبسة فِي الصَّدْر ثمَّ لَا يقذفون شَيْئا لَهُ قدر لأَنهم لَو قذفوا شَيْئا لَهُ قدر لاستراحوا من التقيح وَيمْنَع من ذَلِك غلظ الْمَادَّة وكثافة الغشاء الْمُحِيط بالرئة وَضعف الْقُوَّة وَاجعَل أعظم دلائلك على تخلص المتقيح أَو وُقُوعه فِي السلّ شدَّة الْقُوَّة وَذَلِكَ أَنَّهَا إِن كَانَت قَوِيَّة أمكن أَن يقذف الْمدَّة كلهَا وَرُبمَا بالوا)
هَذِه الْمدَّة وَقد ذكر جالينوس ذَلِك فِي إفيذيميا وَقَالَ: إِن هَذِه الْمدَّة لَا يمر فِي مجْرى ابْتِدَاء لَكِن فِي انحلال تجويف الْأَعْضَاء وَقد رَأَيْت أَنا من كَانَ بِهِ مُدَّة فِي الصَّدْر كَانَ يبولها ويقومها وخف عَنهُ وَسكن دبيلة بِهِ منفجرة إِلَى تجويف الصَّدْر.
قَالَ ج: وَأما غور الْعُيُون فعرضٌ يعم جَمِيع أَصْحَاب الحميات المزمنة وخاصة الَّتِي يبسها أقوى وَأما احمرار الوجنة بِسَبَب الْحَرَارَة الَّتِي فِي الرئة والسعال وَذَلِكَ أَن هذَيْن جَمِيعًا يحمران الْوَجْه وَجَمِيع الرَّأْس لِأَنَّهُ يرْتَفع إِلَيْهَا من الْموَاد الَّتِي فِي الرئة بخارات وَأما تعقف الْأَظْفَار فالسبب فِيهِ ذوبان اللَّحْم الَّذِي يشدها ويمسكها من الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا فَأَما الْأَصَابِع فَإِنَّهَا إِن كَانَت فِي أَكثر الْأَمْرَاض تبرد فَإِنَّهَا فِي حميات الدق تلبث حارة لِأَن كَون
هَذِه الحميات هُوَ فِي الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة والحرارة تتبين فِي دَاخل الْأَصَابِع أَكثر مِنْهَا فِي خَارِجهَا لِأَن الرُّطُوبَة هُنَالك أَكثر وَإِمَّا تتبين حرارة أَصْحَاب الدق عِنْد الرُّطُوبَة وَأما تورم أَرجُلهم فَلِأَن موت الْأَعْضَاء يبتديء من هُنَاكَ لبعدها من الْقلب وَتبطل الشَّهَوَات وَتَمُوت الْقُوَّة الغاذية وَأما النفاخات فَتحدث فِي أبدانهم من أجل اجْتِمَاع الأخلاط الأكالة وَتعلم هَل يسْرع انفجار الْقَيْح من المتقيح أَو يبطيء بالألم وَسُوء النَّفس والسعال وَذَلِكَ أَنه يجب إِن كَانَت حثيثة فتنفجر نَحْو الْعشْرين من يَوْم التقيح أَو قبل ذَلِك فَإِن كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء أهدأ فتوقعه بعد هَذِه الْمدَّة لِأَنَّهُ قبل انفجار الْمدَّة يتزيد الْأَلَم وَسُوء التنفس والنفث. ج تقدمة الْمعرفَة بانفجار الْقَيْح: هَل يسْرع أَو يبطيء وَهِي الوجع وعسر التنفس والسعال وَذَلِكَ ألف ألف أَن هَذِه إِن كَانَت دائمة قَوِيَّة. لي بعد التقيح دلّت على الانفجار أَنه يسْرع وَإِن لم يكن كَذَلِك فعلى أَنه يتَأَخَّر. لي كَمَا أَنَّهَا إِن كَانَت دائمة قَوِيَّة قبل التقيح تسرع وبالضد. ج وَيجب ضَرُورَة إِذا انفجرت الْمَادَّة أَن تَأْكُل الْجِسْم الَّذِي تماسّه فَيعرض مِنْهُ لذع ووجع أَزِيد وعسر التنفس أَيْضا يزْدَاد ردائة من أجل الوجع وَأما تزيد السعال فَإِنَّهُ يزِيد من أجل الصديد الرَّقِيق الَّذِي يخرج من الْموضع المتقيح.
قَالَ أبقراط: أَكثر من يسلم من المتقيحين من انفجرت مدتهم من فارقته الْحمى من يَوْمه بعد الانفجار واشتهى الطَّعَام بِسُرْعَة قَالَ: فَأَما من حدثت بِهِ عِلّة ذَات الرئة وَحدث بِهِ خراجات عِنْد التَّدْبِير وَفِي الْمَوَاضِع السفلية فَإِن تِلْكَ الخراجات تتقيح وَتصير نواصير ويتخلصون بهَا قَالَ)
وتتوقع مثل هَذِه الخراجات الَّتِي تتفجر إِلَى خَارج فِيمَن كَانَ من أَصْحَاب هَذِه الْعِلَل هَذِه حَالَته وَهِي ألاّ تفتر حماه. لي لِأَنَّهَا إِن فترت تبلد الْخَلْط وطالت الْمدَّة وَمن لَا يسكن ألمه لِأَنَّهُ إِن سكن الْأَلَم فالمرض هاديء سَاكن فَلَا تضطر الطبيعة إِلَى دَفعه دفعا بخراج لَكِن بدوام التَّحْلِيل وَلَا يكون الْبَوْل كثير الكمية كثير الرسوب لِأَن هَذَا يدل على نضج قد استغنت بِهِ الطبيعة عَن الْخراج وَلَا يكون نفث البصاق على مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ إِن كَانَ على مَا يَنْبَغِي لم يحْتَج إِلَى إِحْدَاث الْخراج أَيْضا وإلاّ يكون الْغَالِب على مَا ينحدر من الْبَطن المرار الصّرْف لِأَن مثل هَذِه الْأَمْرَاض حارة وَلَا يكون البحران مِنْهَا بخراج بل بالإسهال وَنَحْوه فَإِذا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء على مَا وصفت وَكَانَت سَائِر الدَّلَائِل منذرة بسلامة فتوقع بِهِ حُدُوث هَذِه الخراجات لِأَن الطبيعة حِينَئِذٍ لَيست مستغنية عَن أَن تتَوَقَّع دفعا محسوساً لِأَن الْمَرَض لَيْسَ فِي غَايَة الهدوء والسكون فَلَا هِيَ تدفع دفعا عنيفاً لذَلِك وَلَا هِيَ سَاقِطَة هالكة فتمسك عَن الدّفع الْبَتَّةَ لَكِن كَانَ الْحَال متوسطة فالدفع لذَلِك متوسط وَتعلم أَيْن تحدث هَذِه الخراجات أعند الثديين تحدث من أَسْفَل الصَّدْر فَإِنَّهُ إِنَّمَا تحدث أَسْفَل لمن يجد التهاباً فِيمَا دون الشراسيف وَمن كَانَ مَا دون الشراسيف مِنْهُ لَا ألم بِهِ وَلَا غلظ دَائِم وَعرض لَهُ سوء التنفس فَلَيْسَ بِهِ مُدَّة مّا ثمَّ سكن من غير
سَبَب ظَاهر فَإِن الخراجات تميل إِلَى فَوق نَاحيَة الثديين فِيهِ فَأَما الخراجات الَّتِي تخرج فِي علل ذَات الرئة القوية الْعَظِيمَة الْخطر فَكلهَا نافعة وأفضلها مَا خرجت بعد أَن يكون مَا ينفث فقد بَان فِيهِ التَّغَيُّر وانتقل عَن الْحمرَة إِلَى حَال التقيح. لي يجب أَن يكون قد انْتقل عَن حَاله الأول أَحْمَر كَانَ أَو أصفر أَو غير ذَلِك إِلَى التقيح قَالَ: فَإِن هَذِه تدل على غَايَة السَّلامَة وَيكون برْء هَذَا الْخراج فِي أسْرع وَقت فَإِن لم يكن ذَلِك وَلَا كَانَ الْبَوْل غليظاً وَفِيه رسوب ألف ألف مَحْمُود فَإِن هَذَا الْخراج وَإِن خلص من الْمَرَض لم يُؤمن أَن يزمن الْمفصل الَّذِي يحدث فِيهِ وَإِنَّمَا صَارَت هَذِه الخراجات شَدِيدَة الْحمرَة لِأَنَّهَا بعيدَة من مَوضِع الْعلَّة وَإِنَّمَا صَار أَجودهَا بعد أَن يتَغَيَّر الْبَوْل والبصاق لِأَن هَذِه كَانَت بعيدَة النضج. لي وَإِنَّمَا صَارَت بعد ذَلِك أقل مضرَّة بالموضع الَّذِي يحدث فِيهِ لِأَنَّهَا أقل شرا إِذا نَضِجَتْ مِنْهَا إِذا لم تنضج فَلذَلِك إِن انصبت غير نضيجة كَانَت قروحه رَدِيئَة فَإِن عاقت الخراجات وَمَا ينفث بالبصاق لم ينبعث بعد على مَا يَنْبَغِي والحمى أَيْضا لَازِمَة بعد فَلذَلِك رَدِيء لِأَنَّهُ لَا)
يُؤمن على العليل أَن يخْتَلط عقله وَيَمُوت لِأَن غوران هَذِه الخراجات فِي هَذِه الْحَال تنذر بِرُجُوع الأخلاط إِلَى عمق الْجِسْم وَبَين أَنه يرجع فِي هَؤُلَاءِ إِلَى الرئة وَإِن كَانَ غورانها لخير سكنت الْحمى وَكَانَ ذَلِك بعد النَّقَاء بالنفث على أَن ذَلِك لم يكن يُسمى غوراناً لَكِن تحللاً وَبرا. لي إِذا رجعت هَذِه الأخلاط ثَانِيَة إِلَى الرئة كَانَت نكايتها لَهَا أَشد لِضعْفِهَا وَيكون سوء التنفس أَشد ويعرض الِاخْتِلَاط لشدَّة نكاية الْحجاب فيشركه الرداع التقيح الْحَادِث عَن ذَات الرئة يقتل للطاعنين فِي السن أَكثر مِمَّا يقتل الشَّبَاب وَأما سَائِر التقيح. لي يَعْنِي ذَات الْجنب وَالَّذِي فِي هَذِه النواحي فَإِنَّهُ يقتل الْأَحْدَاث أَكثر لِأَن التَّخَلُّص من ذَات الرئة إِنَّمَا يكون لِكَثْرَة النفث ونقاؤه يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى قُوَّة قَوِيَّة والأحداث أقوى فَلذَلِك يتخلصون مِنْهُ أَكثر لِأَنَّهُ لما ينفثونه أسْرع لفضل قوتهم وَأما فِي ذَات الْجنب فَإِنَّهُ يكون فِي الْأَحْدَاث قَوِيا جدا بِسَبَب مزاجهم فتعظم أعراضه فيهم وَيكون فِي الكهول أسكن بِسَبَب مزاجهم فَيكون أسلم فيهم. لي وَفِي ذَات الرئة إِنَّمَا الْعِمَاد على إِخْرَاج مَا فِي الرئة لِأَن الشَّيْء حَاصِل فِي الرئة وَكَانَ ابْتِدَاء الورم الْحَار لِأَن ذَات الرئة إِنَّمَا هُوَ مَا يبتدىء الورم الْحَار فِي الرئة نَفسهَا ويتقيح وَأما ذَات الْجنب فَمَا يبتديء الورم فِي الغشاء المغشي على الأضلاع ويتقيح فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تكون دَلَائِل السَّلامَة أَكْثَرهَا مَأْخُوذَة من سهولة النفث فَأَما فِي ذَات الْجنب فَلِأَن الورم حَيْثُ ذكرنَا يَنْبَغِي أَن تكون أَكثر دَلَائِل
مِثَال قَالَ: إِذا رَأَيْت مثلا بعض أَصْنَاف التقيح انفجر فِي الْيَوْم الْأَرْبَعين مُنْذُ تقيح فَنَظَرت فِي حَال ذَلِك الْمَرِيض وجدت ورمه كَانَ من خلط معتدل فِي الْحَرَارَة وَالْبرد وَفِي وَقت معتدل أَو سنّ معتدل وَإِن رَأَيْت أُخْرَى انفجرت فِي سِتِّينَ وجدت ورمه قد كَانَ من خلط بَارِد وحميات مفترة مقصرة وبلة وَسُوء مزاج بَارِد وَإِذا رَأَيْت من انفجر مِنْهُ فِي عشْرين فبالضد من هَذَا فعلى هَذَا الْقيَاس لَيْسَ يخفى عَلَيْك من ينفجر تقيحه من الثَّلَاثِينَ وَالْخمسين وَنَحْو ذَلِك مِمَّا بَينهمَا إِذا أَنْعَمت النّظر فِي جَمِيع الْأَحْوَال ويستدل أَيْضا على ألف ألف الْعُضْو الَّذِي حدث فِيهِ التقيح وَنَحْو ذَلِك.

الكتاب: الحاوي في الطب
المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)
المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي
الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م عدد الأجزاء: 7
الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

0 Response to "اجتنب المسهلة وَاسْتعْمل الفصد"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel