بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

الفصل الأوّل بين البلاغة والفصاحة البلاغه

علم المعاني


تأليف
الدكتور عبد العزيز عتيق
دار النهضة العربية
مقدّمة
هذه محاضرات في علم المعاني ألقيتها على طلبة الصف الأول في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة بيروت العربية.
والقسم الأول من هذه المحاضرات يتضمن بحثا في مفهوم كل من البلاغة والفصاحة لدى علماء البلاغة العربية، مع بيان اتفاقهما واختلافهما.
والقسم الثاني منها عرض تاريخي لنشأة علم المعاني ومراحل التطور والنمو التي مر بها في العصور المختلفة حتى صار علما مستقلا بذاته على يد عبد القاهر الجرجاني والبلاغيين من بعده، مع بيان أثر هذا العلم في بلاغة الكلام.
أما القسم الثالث والأخير فيشتمل على دراسة تفصيلية لمباحث علم المعاني وفنونه، مع الإكثار من الأمثلة والشواهد التي توضحها وتيسرها للطالبين.
وإني لآمل أن يجد الدارس في هذا البحث ما يعينه على تذوق جانب من البلاغة العربية والإفادة منه، وما يكشف له كذلك عن دور علم المعاني في فن القول وبلاغته.
المؤلف

الفصل الأوّل بين البلاغة والفصاحة

البلاغه
البلاغة مأخوذة من قولهم: بلغت الغاية إذا انتهيت إليها وبلّغتها غيري، والمبالغة في الأمر: أن تبلغ فيه جهدك وتنتهي إلى غايته، وقد سميت البلاغة بلاغة لأنها تنهي المعنى إلى قلب سامعه فيفهمه. ويقال بلغ الرجل بلاغة، إذا صار بليغا، ورجل بليغ: حسن الكلام، يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه (1)، ويقال أبلغت في الكلام إذا أتيت بالبلاغة فيه.
والبلاغة من صفة الكلام لا من صفة المتكلم، وتسميتنا المتكلم بأنه بليغ نوع من التوسع، وحقيقته أن كلامه بليغ، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، كما تقول: فلان رجل محكم وتعني أن أفعاله محكمة. قال الله تعالى: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فجعل البلاغة صفة الحكمة ولم يجعلها من صفة الحكيم، إلا أن كثرة الاستعمال جعلت تسمية المتكلم بأنه بليغ كالحقيقة، كما أن كثرة الاستعمال أيضا جعلت تسمية كلمة مثل المزادة (2) راوية كالحقيقة، وكان الراوية في الأصل حامل المزادة، وهو البعير وما يجري مجراه، ولهذا سمي حامل الشعر راوية.
__________
(1) قد يعبر عن العقل بالقلب. قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ.
(2) المزادة: القربة التي يحمل فيها الماء.

ذلك مفهوم البلاغة لغة، وقديما اختلف أهل العلم في مفهومها ووصفها بيانيا، وقد أورد ابن رشيق القيراوني في كتابه العمدة (1) طائفة من أقوال البلغاء في تحديد مفهوم البلاغة كما تصوّرها من وردت هذه الأقوال على ألسنتهم، بيد أن النظر في كل قول من هذه الأقوال لا يعطينا مفهوما جامعا مانعا للبلاغة، ولكن ربما التمس مفهوم البلاغة المنشود من ثنايا بعض هذه الأقوال، فلنحاول. سئل بعض البلغاء: ما البلاغة؟ فقال:
قليل يفهم وكثير لا يسأم. وسئل آخر فقال: معان كثيرة في ألفاظ قليلة.
وقيل لأحدهم: ما البلاغة؟ فقال: إصابة المعنى وحسن الإيجاز. وسئل بعض الأعراب: من أبلغ الناس؟ فقال: أسهلهم لفظا، وأحسنهم بديهة.
وقال خلف الأحمر: البلاغة لمحة دالة.
وقال الخليل بن أحمد: البلاغة كلمة تكشف عن البقية.
وقال المفضل الضبي: قلت لأعرابي: ما البلاغة عندكم؟ فقال:
الإيجاز من غير عجز، والإطناب من غير خطل.
وكتب جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي إلى عمرو بن مسعدة:
إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيا.
وقيل لبعضهم: ما البلاغة؟ فقال: إبلاغ المتكلم حاجته بحسن إفهام السامع، ولذلك سميت بلاغة.
وقثال آخر: البلاغة معرفة الفصل من الوصل.
وقيل البلاغة: حسن العبارة، مع صحة الدلالة.
__________
(1) كتاب العمدة ج: 1 ص 213. وابن رشيق: هو أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي القيرواني (385 - 465 هـ).

وقيل البلاغة: القوة على البيان مع حسن النظام.
وقالوا: البلاغة ضد العيّ، والعيّ: العجز عن البيان.
وقيل لأرسطاطاليس: ما البلاغة؟ قال: حسن الاستعارة.
وقيل لخالد بن صفوان: ما البلاغة؟ قال: إصابة المعنى والقصد إلى الحجة.
وقيل لإبراهيم الإمام: ما البلاغة؟ قال: الجزالة والإطالة.
وقال البحتري يمدح محمد بن عبد الملك بن الزيات حين استوزر ويصف بلاغته:
ومعان لو فصّلتها القوافي  هجّنت شعر جزول (1) ولبيد
حزن مستعمل الكلام اختيارا  وتجنبن ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدركن  به غاية المراد البعيد
__________
(1) الشاعر الحطيئة.

وقال العتابي: قيّم الكلام العقل، وزينته الصواب، وحليته الإعراب، ورائضه اللسان، وجسمه القريحة، وروحه المعاني. وسئل ابن المقفع: ما البلاغة؟ فقال: اسم لمعان تجري في وجوه كثيرة: فمنها ما يكون في السكوت، ومنها يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون شعرا، ومنها ما يكون سجعا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون خطبا، ومنها ما يكون رسائل، فعامة هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى، والإيجاز هو البلاغة.
وقال أبو الحسن علي بن عيسى الرماني: أصل البلاغة الطبع، ولها مع ذلك آلات تعين عليها وتوصل للقوة فيها، وتكون ميزانا لها، وفاصلة بينها وبين غيرها وهي ثمانية أضرب: الإيجاز، والاستعارة، والتشبيه، والبيان، والنظم، والتصرف، والمشاكلة، والمثل.
وقال عبد الله بن محمد بن جميل المعروف بالباحث: البلاغة الفهم والإفهام، وكشف المعاني، ومعرفة الإعراب، والاتساع في اللفظ، والسداد في النظم، والمعرفة بالقصد، والبيان في الأداء، وصواب الإشارة، وإيضاح الدلالة، والمعرفة بالقول، والاكتفاء بالاختصار عن الإكثار، وإمضاء العزم على حكومة الاختيار ... قال: وكل هذه الأبواب محتاج بعضها إلى بعض، كحاجة بعض أعضاء البدن إلى بعض: لا غنى لفضيلة أحدها عن الآخر، فمن أحاط معرفة بهذه الخصال فقد كمل كل الكمال، ومن شذ عنه بعضها لم يبعد من النقص بما اجتمع فيه منها ... قال: والبلاغة تخير اللفظ في حسن إفهام.
تلك طائفة من أقوال البلغاء في تحديد مفهوم البلاغة كما تصوّرها كل واحد منهم، ومنها يمكن تحديد مفهوم البلاغة بأنها: وضع الكلام في موضعه من طول وإيجاز، وتأدية المعنى أداء واضحا بعبارة صحيحة فصيحة، لها في النفس أثر خلاب، مع ملاءمة كل كلام للمقام الذي يقال فيه، وللمخاطبين به.
ولعل تعريف عبد الله بن محمد بن جميل للبلاغة هو الأقرب إلى هذا التعريف، كما أن مفهوم أبي الحسن الرماني للبلاغة متصل أكثر بأصلها ومباحثها.
ولكن البلاغة قبل هذا وبعد هذا فن قولي يعتمد على الموهبة وصفاء الاستعداد، ودقة إدراك الجمال، وتبين الفروق الخفية بين شتى الأساليب. ولا بد لطالب البلاغة من أمرين: قراءة عميقة متصلة لروائع الأدب وحفظ ما يستجيده منه، ومران على التعبير من وقت لآخر عن بعض ما يجول في الخاطر وتحبش به النفس. ولا شك أن تضافر هذين الأمرين معا يعينان على تكوين الذوق الأدبي ونقد الأعمال الأدبية والحكم عليها.
ومن السهل أيضا أن نلتمس في أقوال البلغاء السابقة عناصر البلاغة، وهذه العناصر هي: اللفظ، والمعنى، وتأليف الألفاظ على نحو يمنحها قوة وتأثيرا حسنا، ثم الدقة في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام، وموضوعاته، وحال السامعين، والنزعة النفسية التي تسيطر عليهم.
وعلى هذا فلا بد للبليغ من التفكير في المعاني التي تموج في نفسه على أن تكون صادقة قوية يتجلى فيها أثر الابتكار وسلامة الذوق في تنسيقها وحسن ترتيبها، فإذا تحقق له ذلك اختار لها من الألفاظ الواضحة المؤثرة ما يتلاءم وطبيعتها ويعبر عنها أجمل تعبير. ومع ذلك ينبغي أن نتذكر دائما أن البلاغة ليست في اللفظ وحده، وليست في المعنى وحده، وإنما هي في الارتباط العضوي بينهما، وأثر لازم لسلامتهما وانسجامهما.
هذا عن البلاغة، أما بلاغة الكلام فهي مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته، ومقتضى الحال مختلف تبعا لتفاوت مقامات الكلام، فمقام كل من التنكير، والإطلاق، والتقديم، والذكر يباين عكسه من التعريف، والقصر، والتأخير، والحذف، ومقام الفصل يباين مقام الوصل، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب ومقام المساواة.
وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول يكون بمطابقته للاعتبار المناسب، وانحطاط شأن الكلام يكون بعدم ذلك. فمقتضى الحال إذن هو الاعتبار المناسب.
وللبلاغة طرفان: طرف أعلى وهو حد الإعجاز وما يقرب منه، وطرف أسفل وهو ما إذا غير الكلام عنه إلى ما دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات، وبين هذين الطرفين مراتب كثيرة.
ولعلنا ندرك من كل ما تقدم أن البلاغة مرجعها إلى أمرين: تمييز الفصيح من غيره، والاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد.
أما تمييز الفصيح من غيره فمنه ما يبين في علم متن اللغة، أو الصرف، أو النحو، أو يدرك بالحس، وأما الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فيكون عن طريق علم المعاني باستثناء المعنوي الذي يحترز عنه بعلم البيان.


الكتاب: علم المعاني
المؤلف:عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الناشر:دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان
المصدر : المكتبة الشاملة

Chapter I between rhetoric and fluencyThe communionThe eloquence is taken from their words: I have reached the end if I finished it and other language, and exaggerate: to inform your effort and ends to the end, has been called eloquence eloquence because it ends the meaning to the heart of his hearing and understand. The man is said to be eloquent, if he became eloquent, and an eloquent man: good speech, the words of his tongue but what is in his heart (1), and is said to be spoken to speak if I come to speak it.And the eloquence of the character of speech, not the character of the speaker, and the name of the speaker that he is eloquent type of expansion, and his truth that his words eloquent, deleted the prescribed and established the status of his position, as she says: so an orderly man means that his actions Court. Allaah says (interpretation of the meaning): "Wisdom is great, so it makes the language of wisdom, and does not make it a wise attribute, but the frequent use made the speaker's name as eloquent as truth. It is the camel and what is going on, and that is why the hair carrier is called Rawi._________(1) The mind may express the heart. Allaah says (interpretation of the meaning):(2) Al-Muzawdah: the water-laden cauldron.This is the concept of language rhetoric, and ancient scholars differed in their concept and description graphically. In Ibn al-Qirayni Ibn al-Qayra'i mentioned in his book (1) a range of the words of Balogha in defining the concept of rhetoric as it was conceived by those who heard these words on their tongues. Words do not give us a universal concept to prevent eloquence, but perhaps sought the concept of eloquence desired from the folds of some of these words, let us try. Question: What is eloquence? He said:Few understand and many do not get bored. Another was asked, and he said: There are many meanings in a few words.One of them was told: What rhetoric? He said: injury of meaning and good brevity. Some of the commentators were asked: Who told the people? He said: The easiest word, and the best of them amazement.Khalaf al-Ahmar said: rhetoric is a salient feature.Khalil ibn Ahmad said: rhetoric is a word that reveals the rest.He said: "I said to Arabi: What is your rhetoric? He said:Briefness is non-deficit, redundancy is not wrong.Jaafar ibn Yahya ibn Khalid al-Burmaki wrote to Amr ibn Mas'ada:If the multiplication was reported, the brevity was short, and if the summary was sufficient, the more aware.Some were told: What rhetoric? He said: To inform the speaker of his need for good understanding of the hearer, and therefore called eloquence.Another example: rhetoric to know the separation of the link.It was said rhetoric: good phrase, with the validity of significance.__________(1) The Book of the Mayor: 1 p. 213. Ibn Rushi: It is Abu Ali Hassan bin Raziq Azadi Kairouani (385 - 465 e).It was said rhetoric: force on the statement with good order.They said: rhetoric against the eye, and blindness: the inability to speak.Aristotelians were told: What rhetoric? He said: good metaphor.It was said to Khalid bin Safwan: What rhetoric? He said: the meaning of injury and the intent of the argument.Ibrahim was told Imam: What rhetoric? He said: the carrot and lengthening.Al-Bahtari praised Mohammed bin Abdul-Malik bin Zayat when he was quoted and described his statement:And if it was separated by rhymes ...Melancholy used words to choose ... and avoid the darkness of complexityAnd the word is near and I know ... the goal of the distant future__________(1) The poet is slow.



0 Response to "الفصل الأوّل بين البلاغة والفصاحة البلاغه"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel